رسالة من مريضة فيبروميالجيا: نحن لسنا كسالى.. نحن فقط نكافح ألمًا لا يزول

كتب: لمياء عبدالله النفيعي

في سنٍ مبكرة، غرزت سهام المرض في جسدي دون سابق إنذار، واستقرت بصمت، كأنها تعرف تمامًا إلى أين تتجه. لم أكن أعرف مواضع الألم، ولا مما أشكو تحديدًا. أشعر بالوهن دائمًا، شاردة التفكير، متقلبة المزاج، وذاكرتي تتلاشى شيئًا فشيئًا، كما لو أن الحياة تُسحب مني على دفعات.

نظرتي للحياة باتت بائسة. لا نوم يُرمم تعب النهار. وإذا مررت بأوقات عصيبة، تزداد حدة الألم وينبض جسدي بقوة، وحين أقف أمام المرآة، أسأل نفسي بخوف: هل هذه أنا؟ أرى وجهًا باهتًا، وعينان غائرتان، وهالات سوداء.

كأن حكمًا صدر عليّ أن أعيش تحت وطأة ألمٍ لا يُحتمل، مرض لا يرحم، يتسلل إلى كل تفاصيل يومي، يحاصرني بلا هوادة، وتشنجات مرتدة، تنفض النوم من عيني.

حين يُصاب أحدهم بوعكة خفيفة، يشعر بالتعب الشديد والإرهاق، ولا يستطيع النوم بسهولة. لكنني – دون مبالغة – أعيش تلك الحالة كل يوم، بل كل لحظة.

السقوط بالنسبة للبعض لحظة مؤقتة، تترك ألمًا عابرًا. أما بالنسبة لي، فأنا لم أتعرض للسقوط، ولكن أعاني من آلام مبرحة كأنه قد حدث لي ذلك فعلاً. كل صباح، لا أستطيع النهوض، كأنني طفل صغير يحاول الوقوف والمشي للمرة الأولى.

أحيانًا أبدو في حالٍ أفضل، ولكنني لست كذلك. أتصارع مع نفسي، لأكون بروح مرحة وأتحمل معاناتي، ولكنها ليست سوى فترة قصيرة وتهجم الآلام مرة أخرى.

ومن يراني قد يظن أنني بخير، وأنني طبيعية تمامًا. لكنهم لا يسمعون صراخ جسدي، ولا يعلمون أن ليالٍ كثيرة مرّت بي لم أذق فيها طعم الراحة. أحيانًا أنال غفوة صباحية كي أستعيد جزءًا من نشاطي، ومرات أتناول الدواء لتهدئة الألم، ليس لشفاء مؤقت، بل لمواصلة يومي فقط.

أحتاج أن أرفع من معنوياتي وأبقى صامدة. أرمم روحي المتعبة، أُحاول بقدر المستطاع أن أحتوي نفسي وأبتعد عن كل ما يرهقني نفسيًا وجسديًا.

رسالة… من مريضة متعلقة بين ذكريات سعيدة وواقعٍ مر، لقد غرس الألم أنيابه في جسدها، ولا تملك إلا الصمود وتحدي الألم، وأن تكون قوية أمام الآخرين.

رسالة… من امرأة مصابة بـ”فيبروميالجيا” أو الألم العضلي الليفي. إنه مرض غامض لا يتم تشخيصه إلا بعد معاناة لفترات طويلة، ومن قِبل أطباء مختصين ولديهم المعرفة بهذا المرض المزمن.

هو منتشر بين النساء، وأعراضه: الأرق، صعوبة النوم، تقلب المزاج، تيبس في العضلات، عدم الشعور بالسعادة، وعدم القدرة على الأداء الوظيفي والمنزلي، والاستمتاع بالهوايات الشخصية، والارتباطات الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم تفهم الآخرين لمعاناتها المرضية، سواء من قِبل الأطباء غير المختصين، أو من بعض أفراد العائلة الذين يظنون أنها أوهام أو كسل أو إجهاد أو ادعاء، مما يجعلها تشعر بإحباط شديد.

لابد من التوعية الصحية عن مرض “فيبروميالجيا” — “الألم غير المرئي ولكنه حقيقي” — فالبعض يعرفه، والبعض الآخر لم يسمع به من قبل. يجب تنظيم حملات توعوية مكثفة بين أفراد المجتمع، وإقامة فعاليات متنوعة لرفع مستوى ثقافة الوعي بهذا المرض وأعراضه، وكيفية التعامل مع هذا الألم المنهك بالدعم النفسي والعلاجي الذي يخفف من وطأة شدة المرض.

تُعتبر الأسرة الداعم الرئيسي في تخطي المريض لهذه المعاناة، من خلال مساندته نفسيًا وتفهم حالته وتقبّله، كما أن دور الأطباء مهم جدًا لفهم واستيعاب وتصديق هذه الأعراض، والسعي لتخفيف معاناة المريض بشتى الوسائل الممكنة.

يوافق 12 مايو من كل عام اليوم العالمي للتوعية بمرض “متلازمة الألم العضلي الليفي” أو “لمسة الفراشة”، حيث تُنظم فعاليات في مختلف أنحاء العالم لرفع مستوى الوعي بـ”فيبروميالجيا”. ولكننا نُطالب الجهات الصحية باستمرار التثقيف الصحي لهذا المرض ورفع الوعي الصحي على مستوى الفرد والمجتمع، ومساعدة المرضى على العيش بحياة صحية، وتحسين جودة الحياة لديهم.

همسة

إلى مصابي “الفيبروميالجيا”، رغم كل الألم الذي تشعرون به، أنتم أقوياء!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP to LinkedIn Auto Publish Powered By : XYZScripts.com