ارتبطت الأحساء باسم “مسجد جواثا” الذي يقع شمال شرقي مدينة الهفوف، ويعد رمزًا تاريخيًا وثقافيًا وإسلاميًا. فهو أول مسجد أُسس في شرق الجزيرة العربية، وثاني مسجد في الإسلام صُليت فيه صلاة الجمعة بعد المسجد النبوي في المدينة المنورة.
ويعود بناؤه إلى السنة السابعة للهجرة، أي قبل ما يقارب 1440 سنة. وتاريخيًا، دائمًا ما ارتبطت دور العبادة بتعليم القرآن الكريم والعلوم الأخرى.
قديماً، اشتهرت الأحساء بالكتاتيب، وكان يُطلق على المعلم فيها “المطوع” أو “الملا” للرجال، و“المطوعة” لمن تقوم بالتعليم من النساء. وتاريخيًا، تُعد أقدم مدرسة في الأحساء لتعليم القرآن الكريم تلك التي تعود إلى القرن العاشر الهجري (سنة 982هـ) في قاعة خاصة بمسجد القبة التاريخي داخل أسوار قصر إبراهيم الأثري في حي الكوت بالهفوف. وقد بُني المسجد ضمن مجمع يحتوي على مسجد جامع، ومدرسة علوم شرعية، وكتاب لتعليم الأطفال القرآن الكريم. كما اشتهرت الأحساء بالأربطة العلمية، التي كان لها دور كبير في خدمة طلاب العلم سواء من داخل الأحساء أو خارجها.
تلاشى هذا النوع من التعليم مع افتتاح أول مدرسة حكومية نظامية عام 1356هـ بالهفوف، واستمر الاهتمام بتعليم القرآن الكريم كمادة دراسية، كما تم افتتاح عدة مدارس لتحفيظ القرآن منتشرة في مدن المحافظة، بالإضافة إلى حلقات القرآن الكريم.
قبل 45 عامًا، تأسست جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالأحساء، واستلهامًا للحديث النبوي: “سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق”، تم إطلاق اسم “خير” على الجمعية. بدأت الجمعية آنذاك بثماني حلقات في عدد من المساجد لتعليم القرآن الكريم وعلومه لكافة فئات المجتمع وفق منظومة مؤسسية من خلال كفاءات متخصصة ومنهجية علمية ووسائل حديثة.
في عام 1410هـ، افتُتح المركز القرآني النسائي بالهفوف، وتطورت الحلقات وزاد انتشارها حتى شملت جميع مدن وقرى ومراكز وهجر الأحساء. اليوم، تشرف “خير” على ما يقارب 800 حلقة، منها 300 للرجال و500 للنساء، بالإضافة إلى 150 حلقة إلكترونية ضمن “مقرأة خير”.
في العام المنصرم، حققت “خير” أرقامًا قياسية، حيث وصل عدد المستفيدين إلى نحو 9 آلاف طالب وطالبة، اختبروا في أكثر من 4500 جزء، وراجعوا نحو 35 جزءًا، وحفظوا 16400 جزء، فيما بلغ عدد الخاتمين 336. كما وصل عدد المعلمين والمعلمات إلى 638.
أما برامج الشؤون التعليمية للرجال والنساء، فقد استفاد منها 11 ألف شخص من خلال تنفيذ 38 برنامجًا تدريبيًا و43 دورة تدريبية وبرنامجًا نوعيًا، بالإضافة إلى تنظيم 6 مسابقات موسمية.
وكان للأطفال نصيب من “خير” عبر برنامج “الحافظ الصغير”، حيث استفاد منه نحو 1200 طفل وطفلة من خلال 42 نشاطًا منهجيًا ولامنهجيًا، و14 رحلة ترفيهية وتعليمية. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الجمعية برامج أخرى مثل: “صناع المستقبل”، “برنامج الاستذكار”، “سنابل الخير”، “مسابقة حصاد حافظ”، و”حلقة مهرة”. كما تتبع للجمعية 3 دور ضيافة و3 روضات، يتعلم فيها نحو 400 طفل. أما برنامج “ملتقى الأطفال” فقد حقق 4679 زيارة.
وكان للأمهات نصيب آخر من “خير”، حيث تم تقديم 22 دورة تدريبية، وصلت ساعاتها إلى 66 ساعة تدريبية.
وامتد الخير إلى العناية بالمصاحف من خلال مركز متخصص وزّع قرابة 10 آلاف مصحف داخل المملكة وخارجها، كما بلغ عدد المصاحف المعتنى بها 20500 مصحف.
ووصل الخير إلى منح الإجازات والتأهيل للمسابقات المحلية والدولية من خلال مركز حلقات الإمام قالون، الذي يهدف إلى حفظ كتاب الله وإتقانه وتجويده بالقراءات العشر، ومنح الإجازات المتواترة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمشاركة في المسابقات المحلية والدولية.
وفي مجال العمل التطوعي، تم فتح نحو 400 فرصة تطوعية، نفذها 1700 متطوع ومتطوعة، بواقع 41 ألف ساعة تطوعية. كما تم عقد شراكات مجتمعية وتوقيع مذكرات تعاون مع عدد من الجهات المانحة والقطاعات الرسمية والخاصة.
ثم ماذا بعد… يا خير الأحساء!!!
فبعد تلك الإنجازات، ما المفاجآت القادمة المنتظرة لتعزيز ودعم برامج تعليم القرآن الكريم وعلومه لكافة فئات المجتمع وفق منظومة مؤسسية تعتمد على كفاءات متخصصة، ومنهجية علمية، ووسائل حديثة؟
ختامًا… جمعية تحفيظ القرآن… خير لأهل المشرق.
وليد بن محمد الشويهين
باحث دكتوراه في الإعلام وتكنولوجيا الاتصال
@shwyheenw