ثم ماذا بعد… يا فنون الأحساء؟

الأحساء، واحة الثقافة والفنون، تمتلك هوية ثقافية خاصة بها بجذور ممتدة في عمق التاريخ، اكتسبها إنسانها نتيجة تراكمات حضارية وثقافية وعلمية تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد. كان لموقعها الاستراتيجي، كأكبر واحة نخيل طبيعية في العالم والهام في شرق الجزيرة العربية، واتصالها منذ القدم مع حضارات وثقافات العالم القديم في بلاد الرافدين والشام وشبه القارة الهندية، بالإضافة إلى كونها جسراً للتواصل مع دول الخليج العربي وممرًّا لقوافل الحجاج والتجارة، دور كبير في انفتاحها على الثقافات الأخرى.

ذائقة الإنسان الأحسائي انعكست على هويته الثقافية وإبداعاته في عدة مجالات، مثل الفنون الشعبية، والشعر، والخط، والرسم، والتمثيل، والمسرح. وللحفاظ على تلك المكتسبات، تأسست جمعية الثقافة والفنون بالأحساء عام 1393هـ، لتشكل إرثاً ثقافياً وفنياً له قيمته الاجتماعية والشعبية لأهالي الواحة، حتى أطلق عليها “بيت المسرح”.

تاريخ الجمعية يتجاوز الخمسين عاماً في نشر الثقافة والفنون بالمجتمع الأحسائي، وتقديم العديد من البرامج والأنشطة والإنجازات، سواءً على المستوى الوطني أو العربي والدولي، ممثلة المملكة العربية السعودية في العديد من المحافل الدولية.

اليوم، تعمل الجمعية وفق رؤى واستراتيجيات الجمعية الأم، مواكبةً للأحداث والتطورات، لتساهم في زيادة النشاط الثقافي والفني من خلال أربعة مجالات: المسرح والفنون الأدائية، الفنون البصرية، الموسيقى، والأفلام، بهدف تنمية الإبداع والإنتاج الفكري الثقافي والفني لدى أفراد المجتمع، ورعاية الموهوبين وتأهيلهم للتميز محلياً وعربياً وعالمياً.

مؤخراً، حصدت مسرحية بحر جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان الرياض المسرحي، بالإضافة إلى جوائز: أفضل إخراج، أفضل تمثيل، وأفضل مؤثرات موسيقية. كما نظمت الجمعية ملتقى دار نورة الموسى الدولي للفنون التشكيلية بعنوان “عندما يكون للدار… مِفَنُ”. ولتعزيز الإرث التاريخي للمملكة، نفذت الجمعية دورة عملية عن استخدامات السيف في الرقصات والمناسبات، وأطلقت مسابقة لأفضل زي سعودي للأطفال من 5 إلى 15 سنة، ونظمت المعرض السنوي لمجموعة “كلنا رسامون” التشكيلية.

كما شاركت الجمعية في معرض (فني تاريخي) الذي تضمن رسمًا حيًا يحاكي صور معرض “الشرقية بعيون سويسرية 1924م”، وفي مهرجان المسرح الخليجي 2024 بمسرحية بحر، محققة أربع جوائز: أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية، أفضل ممثل دور أول، أفضل ممثل دور ثانٍ، وأفضل إخراج.

إضافة إلى ذلك، نظمت الجمعية مهرجان سكة الحرفيين، الذي يهدف إلى إبراز الحرف والأعمال اليدوية وتطوير قدرات الحرفيين، وإحياء الهوية الثقافية والتاريخية للأحساء والمملكة بشكل عام. كما كرّمت خمسة أطفال مثلوا المملكة في المعرض العالمي للأطفال لدول التعاون لمنظمة شنغهاي بالصين 2024، ونظمت ملتقى النقد السينمائي.

وامتدت جهود الجمعية لمحاكاة حياة الفلاح الأحسائي وما يدور حوله من مشاق ومهام يومية عبر معرض عذق، الذي شارك فيه 145 فناناً وفنانة من مجموعة “كلنا رسامون”، وتطرقت إلى علاقة الصحة النفسية بالألوان كهوية بصرية، بالإضافة إلى الأنشطة الاتصالية من خلال ورشة مهارات الإلقاء الجماهيري.

إلى جانب ذلك، نظمت الجمعية العديد من المعارض والملتقيات والورش، وصُدرت الثقافة والفنون إلى الخارج، كان آخرها المشاركة في المهرجان الدولي بأيام قرطاج المسرحية في تونس نهاية الشهر الجاري.

ثم ماذا بعد… يا فنون الأحساء؟

بعد هذه الإنجازات، ما هي المفاجآت القادمة المنتظرة من الجمعية؟ وما الخطط الجديدة لاحتواء وتنمية المواهب الشابة، والاهتمام بالمثقفين والفنانين الأحسائيين، من خلال التدريب وتطوير مستواهم وتقديمهم للجمهور كقيمة فنية وثقافية تُسهم في تعظيم الأثر لخدمة المجتمع؟

ختاماً…

فنون الأحساء ليست بيتاً للمسرح فقط، بل بيئة جاذبة للمبدعين فنياً وثقافياً. لتتحقق هذه الرؤية، يبقى التكامل بين المؤسسات المعنية ضرورة لاستثمار الطاقات والمواهب، وإقامة المشاريع الثقافية التي تعزز مكانة الأحساء كمركز ثقافي وإبداعي فريد.

 

وليد بن محمد الشويهين
باحث دكتوراه في الإعلام وتكنولوجيا الاتصال
@shwyheenw

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP to LinkedIn Auto Publish Powered By : XYZScripts.com