هي ملكة كل العصور، والمفتاح الأول لأي مجتمع. هي بناء اجتماعي وثقافي واقتصادي وتاريخي، تتربع على عرش الأسرة. نعم، هي الأم، وهي الفتاة في بدايات عمرها. لذا كان لزاماً الاهتمام بها وتمكينها في كل المجالات حتى تربي جيلاً صالحاً يخدم دينه ووطنه ومجتمعه. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس الجمعية النسائية الوحيدة بالأحساء منذ قرابة خمسة عقود.
إنها جمعية فتاة الأحساء التنموية الخيرية، التي تأسست عام 1401هـ، لتهتم بشؤون المرأة والطفل، وتكون بيئة محفزة ومستدامة وداعمة، لرفع مستوى الوعي المجتمعي لديهم، وتطوير واستحداث آليات فعالة ترسخ مشاركتهم المجتمعية، وغرس العمل التطوعي الفعال في المجتمع. مرت الجمعية بعدة مراحل، حيث انتقلت من الخيرية إلى الرعوية التنموية، ثم إلى المؤسسية والجودة الشاملة. وشهدت خلال الـ 45 عاماً الماضية إنجازات ومبادرات ومشاريع ونجاحات كبيرة تحقيقاً لأهدافها وتطلعاتها.
ولإيمانها بأن الأطفال هم اللبنة الأساسية لأي أسرة وهم مستقبل الوطن، افتتحت روضة للأطفال عام 1404هـ، وأسست منهج رياض الأطفال على مستوى الخليج العربي بالتعاون مع منظمة اليونسكو عام 1408هـ. وكذلك، إيماناً بأن المرأة هي النصف الآخر للمجتمع ولن يستقيم بدونه، انطلقت الجمعية عام 1412هـ في مسار الريادة المجتمعية لتدريب المرأة على المهن غير التقليدية لتمكينها اقتصادياً.
وفي عام 1415هـ، انتقلت الجمعية إلى مقرها الحالي لتبدأ فصلاً جديداً من الإنجازات والمشاريع التنموية التي خدمت المرأة والطفل. وبعد عام واحد، تم تدشين مركز الرعاية النهارية “حياة” كأول مشروع يهتم بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي العام التالي، تم تأسيس دار عائشة الراشد “شمل”، المخصص للفتيات اليتيمات. كما كانت الجمعية سبّاقة في تنظيم كبرى الملتقيات، مثل الموسم الثقافي “دور الجمعيات في فهم مستقبل مجتمعنا” عام 1423هـ.
عملت الجمعية جاهدة على إزالة كل عائق يقف أمام نجاح المرأة وتعزيز قدراتها ومهاراتها، فابتكرت برنامجاً فريداً من نوعه “صنعتي” عام 1428هـ، الذي قدم قرضاً حسناً ميسراً لتطوير المشاريع الصغيرة.
استمرت الجمعية في دعم الأسر المنتجة، حيث أطلقت المعرض السنوي “منتجون” عام 1430هـ، واستمر لـ 11 نسخة. وفي العام التالي، سجلت الجمعية اسمها ضمن موسوعة الأرقام القياسية “غينيس” عام 1431هـ بصنع أكبر سلة من الخوص. وفي عام 1434هـ، تم تأسيس معهد فتاتي العالي للتدريب النسائي لتمكين الفتيات من خلال تأهيلهن مهنياً وحرفياً ببرامج الدبلوم والدورات التدريبية التأهيلية حسب احتياجات سوق العمل.
ومن التمكين والتدريب إلى الملاذ الآمن، افتتحت الجمعية الإسكان الخيري “ملاذي” عام 1439هـ، الذي يُعد نموذجاً حضارياً للإسكان وتنمية الأسر المستفيدة. وخلال جائحة كورونا، لم يتوقف عطاء الجمعية، حيث أطلقت مبادرات مجتمعية مثل “خيرك واصل”، وبرنامج “كيف المعنوية”، ووقعت 50 شراكة مجتمعية لدعم المستفيدين، وشاركت في حملة “نتعاون وما نتهاون”، ووزعت أكثر من 4000 سلة غذائية.
لم تكتفِ الجمعية بالعمل الخيري والتنموي، بل وصلت إلى تحقيق الكثير من الأمنيات للفتيات من خلال لقاء رواد العمل الإنساني، وبرنامج “أساسيات السعادة المهنية”، وبرنامج “جرعة براعة”، و”عالم المستقبل للأطفال”، ومبادرات مثل “جود”، و”متن”، و”رفقة”، و”أثر سار”، و”كسوة العيد والشتاء والصيف”، و”حياة آمنة”، و”حكاية نسيج”، والكفالة التعليمية، بالإضافة إلى مبادرة “كل مشروك مبروك”، التي تجاوز دعمها أكثر من مليون و300 ألف ريال لتخفيف الأعباء عن الأسر محدودة الدخل وتحسين مستواهم المعيشي.
قدمت الجمعية أكثر من 700 تمويل في برنامج “صنعتي” بمبلغ تجاوز 4 ملايين و300 ألف ريال كقرض حسن لتمويل المشاريع الصغيرة. كما أشركت الجمعية عدداً من المتخصصين وأصحاب المصلحة في إعداد خطتها الاستراتيجية لعام 2023-2026 تحت شعار “ليشتد ساعدنا”.
ومن خلال استلهام التجارب والابتكارات من هوية الأحساء، خرجت فكرة “أتلاد” – جمع تليد بمعنى “قديم موروث غير مكتسب” – التي جاءت بعد تنفيذ 11 إصداراً من مبادرة “منتجون”، استعداداً لـ “عام الحرف اليدوية” 2025. وخلال 12 يوماً في الربع الأخير من عام 2024م، وعلى أرض قلعة الأمانة، حققت “أتلاد” أرقاماً قياسية في الحضور، الذي تجاوز 60 ألف زائر، ومبيعات أكثر من نصف مليون ريال، و62 ركناً مشاركاً، و5 جلسات حوارية، و9 لقاءات ريادية استفاد منها أكثر من 1200 شخص، وشارك فيها 859 طفلاً في ورش العمل.
ثم ماذا بعد… يا فتاة الأحساء؟!
فبعد تلك الإنجازات، ما المفاجآت القادمة المنتظرة لتمكين الفتاة الأحسائية مجتمعياً، من خلال المبادرات المستدامة ونشر الوعي الموجه، وتحفيز المشاركة المجتمعية، وتنمية القدرات؟
ختاماً… فتاة الأحساء: جمعية تنموية برتبة أم رؤوم.
وليد بن محمد الشويهين
باحث دكتوراه في الإعلام وتكنولوجيا الاتصال
@shwyheenw