الأحساء بوابة الشرق للمملكة، فتُعد مركزًا تاريخيًا قديمًا للتبادل التجاري لوقوعها على خط القوافل التجارية القديم أو ما يُعرف بطريق البخور أو التوابل، ومنها تُنقل التجارة جنوبًا إلى آسيا وأفريقيا وشمالًا إلى بلاد الشام والرافدين، وكذلك الأهمية التجارية لميناء العقير، كونه أول ميناء في التاريخ على الخليج العربي، وجزءًا فعالًا من طريق الحرير، وكبوابة تجارية للمملكة من جهة الشرق.
وجاءت غرفة الأحساء منذ نشأتها قبل 44 عامًا وتحديدًا في عام 1402هـ لتأخذ زمام المبادرة لدفع عملية التقدم التجاري والصناعي، ولتصبح النواة الأولى لمسيرة النماء والعطاء للقطاع الخاص وفق خطط استراتيجية وإعداد الدراسات والبحوث والتقارير، وبناء الشراكات الاستراتيجية والمجتمعية لخلق ميزة تنافسية للأحساء.
ولم يقف الطموح عند هذا الحد، بل تعدى ما وراء البحار وتخطى الحدود الجغرافية للوصول إلى العالمية، من خلال منتدى الأحساء على مدار 20 عامًا في 6 دورات من عام 2003 إلى عام 2023، ليصبح أكبر وأهم فعالية اقتصادية ومنصة عامة لعرض وتعزيز واجهة الأحساء استثماريًا، ومنبرًا مفتوحًا للمشاركين والخبراء والمستثمرين المحليين والعالميين.
ومن منتدى الأحساء إلى “سوق هجر”، ذلك المهرجان الذي انطلق عام 2010م، ويُعد واحدًا من أهم الأسواق التاريخية قبل أكثر من 1400 سنة، فسعت غرفة الأحساء من خلال هذا المهرجان إلى إحياء التراث والموروث الثقافي الأصيل والترويج السياحي للأحساء في العديد من المجالات.
وكان للغرفة دور أصيل وبارز تجاه الشباب والفتيات من طالبي وطالبات العمل، من خلال تنظيم أو رعاية أو الشراكة الاستراتيجية في ملتقيات التوظيف بمختلف مستوياتها وتخصصاتها بالتعاون مع الجامعات والكليات والمعاهد والجهات ذات العلاقة، لبحث وطرح فرص العمل للمساهمة في توظيف أبناء وبنات الأحساء، ودفع سياسات توطين الوظائف في منشآت القطاع الخاص بما يواكب أهداف رؤية 2030.
ومن ضمن مبادرات الغرفة، مبادرة “سنا الأحساء لتطوير الأعمال” (مركز الأمير أحمد بن فهد بن سلمان لتطوير الأعمال)، الذي انطلقت أعماله في عام 2021، ويُعد من أهم المشاريع الطموحة لجعل الأحساء مركزًا اقتصاديًا، من خلال توفير برامج دعم وبيئة حيوية محفزة لرواد الأعمال والمبتكرين لتطوير مشاريعهم، ليصبح قطاع ريادة الأعمال فاعلًا في الاقتصاد والمجتمع، وإبراز القدرات والطاقات الشبابية، تمكينًا للتحول الرقمي وإثراءً لحياة المجتمع وتنمية الاقتصاد.
وكان للغرفة دور كبير في تثقيف المجتمع اقتصاديًا وتجاريًا، والتعريف بقطاعات الأعمال وإبراز جهود الغرفة وشركائها من خلال مجلة “الأحساء”، حيث صدر أول عدد في عام 1402هـ وكان اسمها آنذاك “مجلة هجر” إلى عام 1416هـ، ثم تم تغييره إلى الاسم الحالي في العدد 40، الذي يُعد بداية الانطلاقة الحقيقية للإعلام الحديث واستخدام التقنيات للتطوير المستمر. ولجهودها الإعلامية، حققت الغرفة العديد من الجوائز، أبرزها جائزة “الشراع الذهبي للتميّز في الاتصال والعلاقات العامة” لعام 2022م على مستوى الخليج، وكذلك تنظيم ملتقى الإعلام الاقتصادي الخليجي 2023.
كما شرعت الغرفة في تنظيم العديد من الملتقيات ومعارض التسويق مثل معرض “أصالة الشرق” لاستقطاب وتسويق أبرز المشاريع النسائية داخل المملكة وخارجها، والمعارض الاستهلاكية المتخصصة في العطور والعود وغيرها، وكذلك ملتقى الأحساء للشركات التقنية الناشئة من عام 2019 إلى 2023، وملتقى “التحوّل الرقمي في القطاع الصحي” 2023، وملتقى طلاب وطالبات مدارس التعليم العالمي والبرامج الدولية، وشاركت في المؤتمر والمعرض الدولي للتمور بالرياض، والمعسكر التدريبي الإعدادي للشركات الناشئة 2024.
ولم تقف الغرفة عند هذا الحد، بل تعدته بكثير لتقدم دعمًا لوجستيًا كبيرًا للمزارعين المحليين من خلال تنظيم معرض “اللومي الحساوي 2024”، الذي يُعد من أكبر المعارض التسويقية في المنطقة، وحقق أرقامًا قياسية خلال ثمانية أيام، حيث وصل الحضور إلى أكثر من 160 ألف زائر، بمشاركة 66 عارضًا، و25 معرضًا إلكترونيًا، وقدم أكثر من 8600 استشارة أعمال. وقد انعكس المعرض على الجانب الاقتصادي والسياحي للأحساء، حيث سجلت مبيعات المعرض أكثر من 2 مليون ريال، وبلغت نسبة إشغال الفنادق 65%، واستقبل المعرض أكثر من 30 وفدًا، وتم تنظيم 11 جولة سياحية في مزارع اللومي التي ابتكرت ما يقارب 20 منتجًا من الصناعات التحويلية للومي الحساوي.
ثم ماذا بعد… يا غرفة الأحساء؟ فبعد تلك الإنجازات، يأتي الإنصاف من الخارج قبل الداخل، وما حصول الغرفة في مطلع هذا الأسبوع على شهادة “أفضل بيئة عمل” من منظمة (Great Place To Work) العالمية الرائدة في مجال الأبحاث والاستشارات، إلا تتويجًا للجهود الكبيرة والمبادرات المختلفة. وبعد كل هذا، ما المفاجآت القادمة المنتظرة من دعم المشاريع التجارية والاقتصادية والتنموية على أرض الأحساء، واحة النخيل والطاقة والاستثمار؟
ختامًا… هي ليست غرفة للتجار، بل قصر للجميع.
وليد بن محمد الشويهين
باحث دكتوراه في الإعلام وتكنولوجيا الاتصال
@shwyheenw