هذا ما أكده الروائي عبد الله الوصالي، مشيرًا إلى أنه كلما ارتقى الإنسان في ذوقه وإنسانيته وإبداعه، قلّ ترهله الفكري. كما اعتبر أن ظاهرة محدودية حضور المناشط الثقافية مقارنة بجمهور مناشط الترفيه أو الرياضة أو حتى مهرجانات التسوق هي أمر أزلي ولا يجب القلق بشأنه.
جاء ذلك في الحوار الذي أجرته معه صحيفة “المنصة الأولى“:
– الروائي عبد الله الوصالي، أين يمكن أن نضع الأدب السعودي في سياق الأدب العربي؟.
إذا كان المقصود الهوية، فهو جزء من المكون الثقافي العربي. أما إذا كان الحديث عن المرتبة، فالأدب السعودي يسترجع مكانته يومًا بعد يوم، ويحتاج إلى تراكم الخبرة الثقافية والاجتماعية، مدعومًا بجودة التعليم في حقل الدراسات الإنسانية، بالإضافة إلى أمور أخرى لا تقل أهمية.
– هل يمكن أن نقول إن بعض الإشكاليات قد نمت في قلب وعقل الأديب السعودي، مما حال بينه وبين مشاركاته واستمتاعه بما يعرض في المشهد الثقافي؟.
ليس تمامًا، لا يمكن التعميم في هذا الشأن. هناك تفاعل ملحوظ يمكن رصده في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال معرفات الأدباء السعوديين. على سبيل المثال، هناك تفاعل مع برامج مثل “المعلقة” مسابقة الشعر على القناة الثقافية، وكذلك مع برامج أخرى تطرحها وزارة الثقافة. أذكر أيضًا تفاعل المثقفين والأدباء مع الدراما المحلية خلال شهر رمضان. تطبيقات التواصل توفر ردود أفعال تلقائية وطازجة، بالإضافة إلى محتويات متخصصة كمواقع المجلات الثقافية. إلى جانب ذلك، هناك مؤتمرات أدبية، معارض كتب، ملتقيات أدبية، مهرجانات فنية، وبرامج ثقافية على القناة الثقافية. من الواضح أن هناك جدولة لدى المنظمين بأسماء الكتاب الذين تتم دعوتهم للمناسبات المختلفة. نحن في مرحلة داعمة للفنون والآداب، ولكن يجب الانتباه إلى عدم تكرار الأسماء والموضوعات.
-ما هي الصعوبات التي تواجه الأديب والمثقف؟.
هناك صعوبات كثيرة وأزلية، لكن هذا ليس الأهم، فلم يكن طريق الأديب سهلًا يومًا. عطاؤه يعتمد على استعداده الشخصي للتضحية ومواصلة العطاء.
– هل تتفق مع من يقول إن المشهد الثقافي غريب الأطوار في تعاطيه مع المنتج الأدبي؟.
لا أعرف المقصود بغرابة الأطوار، ولا يمكنني الحكم على شيء لا أدركه.
– هل للعلاقات الشخصية دور في بروز الأديب أو عدم بروزه؟ وهل “الشللية” الأدبية وحش يفترس العلاقات؟.
إلى حد ما، نعم. نحن نتحدث عن بشر يتأثرون بالعلاقات الشخصية، فمن الطبيعي أن يكون الأدب الذي نعرفه مرتبطًا بمن نعرفهم. لكن البروز أو عدمه يتعلق أيضًا بقرار شخصي من الكاتب ومدى إصراره على الحضور. من الصعب تجاهل من يتمتع بثقافة معرفية عميقة وملكة إبداعية، ويتحلى بالإصرار على التواجد والصبر. لقد أتاح التطور التكنولوجي في الوقت الحالي لكل كاتب أن يكون له صفحته الخاصة على المدونات أو فيسبوك أو التطبيقات الأخرى. هذا التطور حرر الكثيرين من سلطة محرر الصحيفة التقليدي. أما “الشللية” فهي باقية، وإن تشكلت بصيغ مختلفة، لكن أنيابها أصبحت لبنية حتى في العوالم المغلقة المتبقية.
– هناك ترهل فكري في المنتج الأدبي لدى البعض، لكن هناك جهات تتبنى وتصفق له. ما السبب؟.
إذا كان هذا يحدث، فهو بسبب الذائقة الرديئة، وانعدام النزاهة، والمجاملات على حساب الإبداع. هذه الأمور تقل كلما ارتقى الإنسان في ذوقه وإنسانيته وإبداعه.
– يُقال إن المشهد الثقافي في الداخل لا يحظى باهتمام سوى 10% تقريبًا من المجتمع. هل يمكننا وصفه بالعزوف عن حضور الفعاليات الثقافية؟ وهل يؤرق هذا الأديب السعودي؟.
ظاهرة محدودية حضور المناشط الثقافية مقارنة بجمهور مناشط الترفيه أو الرياضة أو حتى مهرجانات التسوق هي أمر أزلي ولا يجب القلق بشأنه. و10% نسبة جيدة جدًا في الوقت الراهن. فالشريحة المثقفة التي تتعاطى الأدب والفن دائمًا قليلة. إنها طبيعة الثقافة الجادة. ومع تدشين حواضن ثقافية مثل منصات عروض البرامج الثقافية ومدونات اليوتيوب، ستأخذ هذه المستجدات من جمهور الحضور الثقافي القليل أصلاً، لكنها في الوقت نفسه تفتح آفاقًا جديدة للثقافة. فهي أكثر مرونة بالنسبة للوقت، فقد يؤجل المهتم مشاهدة الحدث الثقافي مسجلاً على اليوتيوب، وهو أمر يحدث في غالبية الفعاليات الأدبية.
– هناك مجالس أدبية مثل “أحادية” و”إثنينية” و”سبتية” وغيرها، ولكن من يشرفون عليها لا يحضرون المناسبات الثقافية الرسمية مثل فعاليات النادي الأدبي، أو جمعيات الأدباء والثقافة والفنون. لماذا؟.
لا أعرف السبب في الحقيقة، ولا إن كان لهذا الأمر أهمية.
– تحول النادي الأدبي بالأحساء إلى جمعية أدباء. ما الفرق الذي تولد في ذهنك؟ وماذا تنتظر من هذا التحول والجمعية تحديدًا؟
ليس لدي علم بما استجد أو تغير على المستوى الإداري الداخلي للجمعية. لكن نادي الأحساء الأدبي أظهر دبلوماسية ومرونة تُشكر في التكيف مع الرؤية الجديدة للوزارة. سمعت أن الدعم المالي قد يتأثر، وهذا ما أرجو ألا يحدث للجمعيات النشطة مثل جمعية أدباء في الأحساء.
– ما هو الابتكار الأدبي من وجهة نظرك للخروج من التقليدية والرتابة؟.
الابتكار والخروج من الرتابة يتحققان بمساءلة الواقع بشجاعة. هذا ما نحتاجه في الوقت الراهن. الرتابة تأتي من تعاطي فن وأدب مهادن.
– ما المقصود بالأدب المهادن؟.
كل مجتمع فيه علل، والناس في غالبهم يميلون إلى مهادنة تلك العلل، ولذلك تترسخ وتستمر. إن لم يلامس الأدب تلك العلل، فإنه يصبح نسخة من الواقع ويولد إحساسًا بالرتابة.
– هل فعلاً أصبح الأديب كثير الندب و”الحلطمة” لمجرد حب المخالفة؟.
حرام عليكِ، من أين يحصلها هذا المسكين؟ “حلطمة” الأديب أو المثقف أمر ضروري؛ لأن ما يسميه الناس “حلطمة” قد يكون نقدًا بناءً. لكن بسبب عدم تعودنا على النقد، نعتبره “حلطمة”. أما إذا كان هناك “حلطمة” أو “مشكلجي”، فالأمر بسيط، لا يتجاوز كونه كلامًا يمكن احتماله، كي لا يموت الذئب ولا تفنى الأغنام.